منذ الصغر وأنا أتساءل: ما معنى الحياة التي تنتهي بالموت؟ ولماذا خُلقنا فيها؟ وما الذي يُراد بنا من سعينا فيها؟
وكلما قرأت قوله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” وقفت طويلًا عنده لأتبين المعنى، وانتهيت بعد تأمل طويل إلى أن وجودنا في الحياة هو من طلاقة قدرة الله الخالق عز وجل فهل كان لغيره تعالى أن يدعيَ أنه خلق الإنسان أو ما في الكون من شمس وقمر وأرض وسماء وغيرها، ونحن في الواقع لا نملك من أمرنا شيئًا إلا أن نُسَخِّر ملكاتنا لاستجلاء قدرة الله في خلقه دون أن نملك من أمر الخلق شيئًا، ومن شأن من شاء أن يتعرف على قدرته أن يتقيه فيحوزَ الدنيا ويفوز بنعيم الآخرة. وينتاب الإنسان شعور بسعادة بالغة طيلة طريقه في التعرف إلى خالقه مهما واجهه من صعاب قد تلهيه عن هذه المعرفة، وقد خلقنا الله لنعبده إذ ليس أحد غيره جديرًا بالعبادة. أفتراك تحسب أن عبادة الإنسان لله تزيد في ألوهيته أو ربوبيته؟! سبحانه وتعالى عن ذلك وهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه، ولكن كيف نعبده لتعود علينا عبادته بالغنى الذي نرجوه؟
فهل تقف عبادة المسلم لله على أداء شعائره من حج، وصلاة، وصيام، وزكاة؟
إن العبادة في صميمها تتمثل في استشعار ألوهية الله وجلال قدره والنزول على مراده واتقاء نواهيه وزواجره، وتتمثل كذلك في القيم التي شاء – تعالى- أن يقيم اعوجاجنا بها بدءًا من أصغر شئوننا إلى أسمى مطامحنا، فيروح الإنسان يتأمل قدرته تعالى على تدبير الكون وإحكام الأمور لينتهي إلى الإقرار بوحدانيته وتلك عين العبادة التي يتميز بها المسلم فيحظى بفلاح الدنيا والآخرة.
ولو أنك تساءلت يا قارئي العزيز ما علاقة هذه المقدمة بالتخلف سأجيبك بأن من أكبر أسباب تخلف أي مجتمع أن يحيا بلا رؤية أو هدف.
وعيش الإنسان بلا استهداف هدف يجعله يعيش حالة من الشتات والحيرة فلا يشعر بلذة الإنجاز التي هي لُب الشعور بالسعادة، فيكون كالذي يسير في حلقات مفرغة متنقلًا بين الحلقة والأخرى دون أن ينجز شيئًا سوى مسايرة التيار حسب الظروف وما تمليه عليه الأحداث فتطوعه لها دون سعيٍ منه أو إعمال فكرٍ أو تدبر أو استعانة بالخالق وتغصبه أمور الحياة وتُسيِّرُه من حيث لا يملكها فلا تُعرف له وجهة في الحياة، ويكون مبلغ أمره أن ينتظر ما تسفر عنه تقلباتها.
وأخيرًا، أرى أنْ لو أراد الإنسان النجاح في الدنيا فلينشد هدفًا ولو أراد الفوز بالآخرة فليربط هذا الهدف بعبادة الله من خلال تحقيقه المبادئ والقيم التي توافق إرادة الله خالقه الذي ما خلقه إلا لعبادته إذ إن العادات في الدين الإسلامي تتحول إلى عبادات بالنية، والذي كان من إسباغ نعمته عليه ألا يتركه هملًا يشقى ويتخبط، بل إنه تفضل بإمداده بوسائل القوة لو أنه عزم وحدد هدفه وفق طاعته.
لذا فإنني أرى أن غياب الهدف من سعينا في الحياة هي إحدى الإجابات عن سؤال: لماذا نحن متخلفون؟!
لمزيد من الاطلاع:
https://asmaanawar.com/lack-of-fear-of-allah/